قهوجي وصباب للضيافة

في عالمنا العربي، تبرز شخصية قهوجي كأيقونة حقيقية في عالم الضيافة والتراث الشعبي، حيث لا يقتصر دوره على تقديم القهوة فحسب، بل يتعدى ذلك ليكون سفيرًا للكرم والأصالة والذوق الرفيع. قهوجي ليس مجرد شخص يحمل دلة ويجوب المجالس، بل هو شخصية متمرسة في فنون التواصل، حريص على التفاصيل، ويعكس من خلال عمله روح المكان وثقافته وتاريخه.
مهارات خاصة وتمرس فريد
ما يميز قهوجي عن غيره هو قدرته على الدمج بين المهارة اليدوية واللباقة الاجتماعية. لا تقتصر مهامه على صب القهوة بطريقة متقنة، بل تشمل أيضًا حسن التعامل مع الضيوف، والانتباه لتفاصيل البروتوكول، وفهم اختلافات العادات في تقديم القهوة بين منطقة وأخرى. فهو يدرك متى يُقدم الفنجان، وكيفية الإمساك بالدلة، وما إن كان الضيف يريد المزيد أو اكتفى دون الحاجة إلى كلام.
زي تقليدي يعكس التراث
يتميز قهوجي بارتداء زي تقليدي خاص، غالبًا ما يتضمن الشماغ أو الغترة والعقال، وثوبًا نظيفًا أنيقًا، وقد يضيف عليه صدرية تحمل لمسات تراثية. هذا الزي لا يمنحه فقط حضورًا مميزًا، بل يضفي على الأجواء طابعًا من الهيبة والفخامة، خاصة في المناسبات الرسمية وحفلات الزفاف والمجالس الخاصة.
دور اجتماعي وثقافي مهم
في المجتمعات الخليجية والعربية عمومًا، يمثل قهوجي ركيزة من ركائز المناسبات الاجتماعية. وجوده في أي حدث يعكس احترام صاحب المناسبة لضيوفه وحرصه على تقديم أفضل صورة عن بيته أو مؤسسته. كما أن قهوجي يساهم في الحفاظ على طقوس القهوة العربية التقليدية، والتي تُعد جزءًا من التراث غير المادي الذي تسعى دول كثيرة إلى توثيقه والمحافظة عليه.
قهوة بمذاق الاحتراف
يُتقن قهوجي إعداد القهوة بكل مراحلها، من اختيار نوع البن، إلى التحميص والطحن، مرورًا بالغلي والمزج مع الهيل والزعفران وأحيانًا المسمار، حسب الطلب والمناسبة. هذا التخصص يتطلب معرفة دقيقة بالمقادير ودرجات الحرارة والتوقيت، بالإضافة إلى الحفاظ على النكهة القوية والرائحة الزكية التي تميز القهوة العربية.
حضور في المناسبات الكبرى
في الأعراس، المؤتمرات، المعارض، والفعاليات الوطنية، يكون قهوجي عنصرًا لا غنى عنه. المؤسسات الكبرى تستعين بخدماته لتنظيم ركن القهوة وجعل الزوار يشعرون بالترحيب والاحترام. بعضهم يعمل بشكل فردي، وآخرون ضمن فرق متخصصة تقدم خدمات متكاملة تشمل الضيافة، التقديم، وتوفير مستلزمات القهوة التقليدية.
مهارة تنعكس في الصمت
أحد أبرز جوانب عمل قهوجي هو قدرته على قراءة لغة الجسد. من نظرة الضيف أو حركة يده، يستطيع التمييز بين من يريد القهوة ومن يكتفي، دون أن يضطر لطرح الأسئلة أو إحداث مقاطعة للحوار أو الحدث. هذه المهارة هي نتاج سنوات من الممارسة والتدريب، وتُظهر مدى عمق هذه المهنة وخصوصيتها.
تطور مع العصر.. وبقيت الروح
رغم تطور أدوات الضيافة وأساليب الخدمة، حافظ قهوجي على حضوره الطاغي. بعضهم أصبح يستخدم أدوات عصرية، ويقدم القهوة في أكشاك أنيقة داخل المهرجانات، أو حتى ضمن تطبيقات إلكترونية لحجز خدمات الضيافة. ومع ذلك، تظل روحه الأصيلة، ولغته الصامتة، وزيه التراثي، وتفاصيل حركته، كما هي.. تربط الحاضر بالماضي وتحكي قصة مجتمع كامل.
تدريب واحتراف
في بعض الدول، ظهرت مؤسسات تدريبية تقدم دورات احترافية لتأهيل قهوجي، تركز على الإتيكيت، أصول الضيافة، فنون القهوة، وحتى الإسعافات الأولية. هذا يعكس مدى التطور الذي وصلت إليه هذه المهنة، وانتقالها من مجرد مهارة تقليدية إلى حرفة معترف بها رسميًا في بعض الأماكن.
في الختام، تبقى شخصية قهوجي أكثر من مجرد مقدم قهوة. إنه حافظ لتراث، ناقل لقيم، ورمز لحضارة تمتد جذورها في الرمال العربية، وتسري في ضيافتها روح الكرم والجمال. فهو ليس فقط من يصب القهوة.. بل من يُشعر الضيف بأنه موضع ترحيب، ويُضفي على اللقاء دفئًا لا يُنسى.

من الماضي إلى الحاضر.. تطور مهنة قهوجي
تاريخ قهوجي يعود إلى مئات السنين، حين كانت المجالس العربية تُقام حول النار في البوادي، وتكون القهوة أول ما يُحضّر عند قدوم الضيف. كانت هذه المهنة مرتبطة ببيت الشعر، ومكانة القهوة تعادل مكانة الضيف نفسه. آنذاك، لم تكن هناك وظائف رسمية، لكن كل قبيلة أو عشيرة كان لها من يتولى هذا الدور باحترام وتقدير، حتى أصبح يُطلق عليه لقب قهوجي، وهو اللقب الذي ظل متوارثًا عبر الأجيال.
ومع تطور المجتمعات، انتقل قهوجي من مضارب البادية إلى صالات الفنادق وقصور الأمراء ومجالس الوجهاء. تطورت أدواته من الدلال التقليدية إلى أدوات نحاسية فاخرة، وأصبح يُطلب في المهرجانات والاحتفالات الخاصة والحكومية، حيث بات عنصرًا ضروريًا لإضفاء لمسة تراثية وأصالة عربية على المناسبة.
التكوين الشخصي والنفسي لقهوجي
الاحتراف في هذه المهنة لا يعتمد فقط على المهارة اليدوية، بل يحتاج إلى صفات شخصية دقيقة. قهوجي الحقيقي يجب أن يتحلى بالصبر، سرعة البديهة، الهدوء، والقدرة على التفاعل مع شخصيات مختلفة. لا يكفي أن يكون مجيدًا لإعداد القهوة، بل عليه أن يعرف كيف يتصرف أمام كبار الشخصيات، متى يتقدم، ومتى يتراجع، ومتى يقف دون أن يُشعر الضيف بإزعاج أو حرج.
وفي هذا السياق، تُعد لغة الجسد من أهم أدوات قهوجي، فهو يقرأ النظرات والإيماءات ويفهم الرسائل الصامتة. ومن خلال هذه المهارات، يستطيع أن يُشعر الضيف بالخصوصية والاحترام دون أن ينطق بكلمة واحدة.
قهوجي بين الأصالة والهوية الثقافية
في الوقت الذي تشهد فيه المجتمعات العربية تحولات كبيرة في العادات والتقاليد، يبرز قهوجي كأحد الحراس الأخيرين للهوية الثقافية. في كل فنجان يقدمه، هناك قصة تُروى، ونكهة تراث يُحفظ، وتاريخ يُعاد استحضاره. ولهذا السبب، تتعمد الكثير من الجهات الرسمية والمؤسسات الثقافية الاستعانة به في المعارض الوطنية، احتفالات اليوم الوطني، ومهرجانات التراث، حيث يصبح وجوده جزءًا من سرد الهوية وتجسيدها.
ولعل أجمل ما في مهنة قهوجي أنها تتجاوز كل الحواجز الاجتماعية. فقد ترى قهوجي يخدم في مجلس شيخ قبيلة، ثم في فعالية شبابية، ثم في جناح دولة بمعرض دولي، وفي كل مرة يؤدي دوره بنفس الرقي واللباقة والالتزام.
قهوجي في سوق العمل المعاصر
تحولت مهنة قهوجي من دور تقليدي إلى وظيفة متكاملة يُطلب فيها الخبرة والشكل والاتصال. العديد من شركات تنظيم المناسبات باتت تعتمد على فرق قهوجي محترفة لتقديم خدمات متكاملة، تشمل تحضير القهوة، تقديمها، إدارة الضيافة، ترتيب الطاولات، وحتى تنسيق الزينة الخاصة بركن القهوة.
كما ظهرت تطبيقات إلكترونية حديثة تتيح حجز قهوجي بضغطة زر، مع تقييمات للعملاء، وخيارات متعددة حسب نوع الفعالية. البعض يُفضل قهوجي تراثيًّا بزي تقليدي، وآخرون يطلبونه بأسلوب عصري، مما يدل على المرونة الكبيرة التي باتت تتطلبها هذه المهنة لمواكبة العصر دون أن تفقد أصالتها.
تحديات المهنة ومجالات التطوير
رغم ما تحققه مهنة قهوجي من احترام وانتشار، إلا أنها تواجه تحديات عدة، أبرزها:
- قلة التدريب الرسمي: في بعض المناطق، لا تزال المهارات تُكتسب بالممارسة فقط، دون وجود برامج تأهيل أكاديمية.
- النظرة المجتمعية: بعض الفئات تنظر للمهنة على أنها وظيفة مؤقتة أو دون أهمية، رغم أنها تمثل تراثًا ومصدر رزق كريم.
- ضغط العمل: العمل في المناسبات الكبيرة يتطلب ساعات طويلة من الوقوف والتفاعل، وقد يكون مرهقًا بدنيًا ونفسيًا.
لكن في المقابل، هناك فرص عظيمة للتطوير، مثل افتتاح معاهد متخصصة، الحصول على شهادات معتمدة، التعاون مع شركات تنظيم فعاليات، وتوسيع الخدمات لتشمل تقديم الحلويات، التمور، ومشروبات الضيافة الأخرى.
أثر قهوجي في تعزيز السياحة والتراث
في المشهد السياحي، يلعب قهوجي دورًا لافتًا. في العديد من الدول، يطلب السياح تجربة القهوة العربية وتذوقها بالطريقة التقليدية، وهنا يأتي دور قهوجي ليمنحهم تجربة متكاملة من النكهة والضيافة والتاريخ. بعض الفنادق الكبرى تُخصص ركنًا دائمًا للقهوة العربية يشرف عليه قهوجي محترف، حيث يُعد وجوده عنصر جذب سياحي يعزز تجربة الزائر.
لا يمكن الحديث عن الضيافة العربية دون الوقوف عند دور قهوجي، هذا الإنسان الذي يحمل على كتفيه تراث أمة، وينقله بفخر وحرفية من جيل إلى جيل. في كل فنجان يصبه، هناك احترام وتقدير، وفي كل ابتسامة يوزعها، هناك رسالة غير مرئية تقول: “أهلًا بك في ديار الكرم”.
قهوجي ليس شخصًا عاديًا.. بل هو قصة كرم تمشي على قدمين.

أنواع القهوة التي يُتقنها قهوجي
حين نتحدث عن قهوجي، فإننا لا نقصد مجرد شخص يُجيد صب القهوة، بل نعني خبيرًا في إعدادها بمختلف أنواعها، ونكهاتها، وتقنياتها. تختلف القهوة العربية من منطقة لأخرى، وكل منها لها طابعها المميز الذي يتطلب دقة في الإعداد وخبرة في التقديم. من بين الأنواع التي يُتقنها قهوجي المحترف:
- القهوة السعودية: تُحضر باستخدام البن الأشقر (المحمص الفاتح)، وتُضاف إليها توابل مثل الهيل والزعفران والقرنفل وأحيانًا المسمار، وتُقدم غالبًا مع التمر في المجالس.
- القهوة الإماراتية: تشبه إلى حد كبير القهوة السعودية، ولكن تختلف في نسب التوابل، حيث يميل البعض لإضافة الكركم لإضفاء لون ذهبي مميز.
- القهوة الحجازية: ذات طابع داكن بعض الشيء، وتُحضّر بتركيز أعلى مع نكهة أقوى، وتُفضل في بعض المجالس الحجازية التقليدية.
- القهوة اليمنية: تُعد من أقدم أنواع القهوة العربية، وغالبًا ما تُحمص بشكل متوسط إلى غامق وتُطحن ناعمة، وتُقدم في جلسات تراثية بعبق الأصالة.
كل نوع من هذه الأنواع يحتاج إلى ضبط درجة التحميص، ونسبة الهيل، ودرجة الحرارة، وفن التقديم المناسب له، وهذا ما يُتقنه قهوجي بخبرة فريدة.
الأدوات التي يستخدمها قهوجي
احتراف المهنة لا يكتمل إلا بمجموعة من الأدوات التي تمثل امتدادًا ليد قهوجي وتضفي على حضوره طابعًا مميزًا. من بين هذه الأدوات:
- الدلال: وتتنوع بين دلة التلقيمة (للطبخ)، والدلة المتوسطة (للتلقيم)، ودلة التقديم، ولكل منها وظيفة خاصة.
- المحماس: أداة معدنية تُستخدم لتحميص البن يدويًا، وتُعد جزءًا أصيلًا من التراث، إذ لا يزال بعض قهوجيين يفضلون استخدامها لإضفاء لمسة أصالة.
- الهاون والمدق: لطحن القهوة يدويًا بطريقة تقليدية.
- الملحقات الجانبية: مثل حافظات التمر، أواني الماء، الصينية، والفناجين المزخرفة التي تعكس الذوق الرفيع.
هذه الأدوات، إلى جانب طريقة العرض والتنظيم، تمنح ضيافة قهوجي حضورًا متميزًا لا يمكن تجاهله.
طقوس التقديم والاحترام في مهنة قهوجي
لا تقتصر مهارة قهوجي على إعداد القهوة، بل تتجلى أيضًا في فنون التقديم، التي تُعد طقسًا اجتماعيًا يعكس احترام المضيف لضيوفه. هناك قواعد صارمة يتبعها قهوجي في هذا السياق، منها:
- يبدأ بتقديم القهوة لكبار السن أو أصحاب المقام الرفيع.
- يمسك الفنجان باليد اليمنى ويقدمه للضيف برشاقة دون كلمات، إلا في المناسبات الخاصة.
- ينتظر أن ينتهي الضيف من الرشفة، ويعرف من خلال حركة الفنجان إن كان الضيف يطلب فنجانًا آخر أو اكتفى.
- لا يدير ظهره للضيوف، ويبقى واقفًا في وضعية استعداد دائم.
- يحرص على نظافة يده، ملابسه، وأدواته، لأن كل التفاصيل تعكس رقي الضيافة.
التحول إلى قهوجي محترف: رحلة من الشغف إلى الاحتراف
لكل من يرى في هذه المهنة طريقًا للنجاح، فإن البداية يجب أن تكون من فهم قيمة قهوجي ومكانته. الاحتراف يبدأ من الإلمام الكامل بالموروث الثقافي للقهوة العربية، ثم إتقان فنون الإعداد، واكتساب المهارات السلوكية في التعامل مع مختلف أنواع الضيوف.
خطوات أساسية لدخول المجال باحتراف:
- التدريب العملي: سواء من خلال ورش عمل أو عبر التعلم من كبار قهوجيين في الأسواق أو المناسبات.
- اقتناء الأدوات المناسبة: والاستثمار في الجودة والمظهر.
- التسويق الذاتي: إنشاء صفحات على وسائل التواصل، ونشر مقاطع لأداء العمل، وعرض خدمات الحجز.
- الانضمام لشركات تنظيم المناسبات: لاكتساب الخبرة والدخول في الفعاليات الرسمية والخاصة.
- الحصول على دورات الضيافة والبروتوكول: التي تمنح مهارات إضافية تتعلق بالإتيكيت، التقديم، والتعامل في المناسبات الدولية.
قهوجي في الثقافة الشعبية والإعلام
بفعل حضوره الدائم في المناسبات والفعاليات، أصبح قهوجي جزءًا من الثقافة الشعبية، وقد تناولته القصائد، والأمثال، وحتى الدراما الخليجية. وقد ظهرت شخصيته في كثير من الإعلانات والمقاطع الكوميدية التي تستلهم مواقفه المميزة، أو تمثل ردة فعل الضيف لحضور قهوجي بلمسة فنية.
هذا الظهور الإعلامي أضاف بعدًا جديدًا لمهنة قهوجي، وربط الأجيال الجديدة بهذا الرمز التراثي بشكل غير مباشر، مما ساهم في تعزيز مكانته وجذب الشباب إليها كمصدر دخل محترم وثابت.
قهوجي.. حارس النكهة وأمير المجالس
في زمن يطغى عليه التسارع والحداثة، يظل قهوجي هو صوت الماضي الجميل، ولمسة الأصالة، ووجه الكرم العربي الأصيل. لا يمكن اختزال دوره في مجرد فنجان قهوة، لأنه يقدم أكثر من ذلك بكثير: يقدم ذوقًا، وإحساسًا بالانتماء، ورسالة احترام.
حين يدخل قهوجي إلى المجلس، يدخل معه التاريخ والتراث والضيافة العربية كلها. في كل حركة، كل نظرة، كل صبّة، يُعيد تعريف الكرم والأناقة والتقاليد.
وإن كانت المجتمعات تتغير، فإن من يحملون إرثها لا يتغيرون. ولهذا، سيظل قهوجي هو القلب النابض لمجالسنا، وعنوانًا للفخر في كل مناسبة.

الجانب الاقتصادي لمهنة قهوجي
خلف مشهد الفنجان المقدم برشاقة، تقف صناعة اقتصادية متكاملة تدور حول مهنة قهوجي. لم تعد هذه المهنة مجرد عمل تراثي أو مصدر دخل بسيط، بل أصبحت فرصة استثمارية حقيقية، خاصة في المدن الكبرى والمناطق السياحية. يعتمد العديد من الشباب على هذه المهنة كمصدر دخل رئيسي أو إضافي، وبعضهم استطاع تطويرها لتكون مشروعًا متكاملًا يقدم خدمات الضيافة الفاخرة للفعاليات والمناسبات الخاصة.
وقد ظهرت شركات كاملة مختصة في تشغيل قهوجيين وتدريبهم وتوفيرهم للمناسبات، مزودة بفرق مدربة، وأدوات حديثة، وزيّ أنيق، وسيارات مجهّزة لنقل كافة متطلبات الضيافة. بل إن بعض الشركات توفّر باقات ضيافة فاخرة تبدأ من القهوة والتمر وتنتهي بخدمة كبار الشخصيات (VIP) مما يجعل قهوجي جزءًا من منظومة اقتصادية نشطة تحفّز سوق العمل وتخلق فرصًا حقيقية.
قهوجي كوسيط اجتماعي
بعيدًا عن الجانب المادي، يُعد قهوجي طرفًا فاعلًا في النسيج الاجتماعي للمجتمع. فهو لا يشارك فقط في حفلات الزفاف أو المؤتمرات، بل يتواجد في لحظات مؤثرة من حياة الناس: العزاء، الخطبة، الاجتماعات القبلية، المجالس الرمضانية، والاحتفالات الوطنية. وجوده في هذه اللحظات يجعله جزءًا من الذكريات الجماعية للناس، فيتذكره الضيوف بابتسامته، بهدوئه، بلباقته، وحتى بصمته.
كما أن قهوجي يخلق حالة من التوازن بين الضيوف، فهو لا يُفرّق بين غني وفقير، كبير وصغير، بل يخدم الجميع بنفس الاحترام والتقدير. هذه العدالة الاجتماعية الصامتة تخلق له احترامًا خاصًا، وتجعله أكثر من مجرد موظف.. بل وسيطًا صامتًا ينقل رسالة الاحترام والمساواة.
البُعد النفسي لشخصية قهوجي
في عالم الضيافة، لا يُمكن لأي شخص أن يتقن دور قهوجي، لأنه يتطلب صفات نفسية وسلوكية متزنة. من أهم هذه الصفات:
- التحكم في الانفعالات: قد يواجه قهوجي ضغوطًا مثل الزحام، أو التأخير، أو المواقف الطارئة، ومع ذلك يجب أن يبقى هادئًا، مبتسمًا، حاضر الذهن.
- الذكاء الاجتماعي: قراءة الأجواء العامة، ملاحظة التفاصيل، معرفة من يحتاج إلى خدمة ومن لا يرغب بالإزعاج.
- التركيز العالي: فمع عشرات أو مئات الضيوف، عليه أن يتذكر من صُب له ومن لم يُصب له، من طلب القهوة خفيفة، ومن يرغب بها داكنة.
- الرضا الذاتي: رغم أن البعض لا يُلقي له بالًا، إلا أن قهوجي المحترف يدرك أن عمله له قيمة حقيقية، فيؤديه بفخر دون النظر لنظرة الآخرين.
كل هذه العوامل تجعل من شخصية قهوجي شخصية مستقرة نفسيًا، تمتاز بثقة عالية بالنفس وقدرة على الانضباط الذاتي نادرة.
المجالس لا تكتمل إلا بوجود قهوجي
يقال إن المجالس بدون قهوة، كالعين بلا بصر. وهذه القهوة لا تكتمل دون من يُجيد تقديمها.. قهوجي. حضوره لا يُعد ترفًا بل ضرورة. هو من يُنظم حركة الضيافة، يُشعر الضيف بالاهتمام، يضبط إيقاع اللقاءات الاجتماعية.
وفي كثير من المجالس، يكون قهوجي هو أول من يستقبل الضيوف وآخر من يغادر بعد انتهاء المناسبة. حضوره الدائم من البداية إلى النهاية يُضفي طابع الاستمرارية والترحيب المستمر.
رمزية قهوجي في الثقافة العربية
على مر الزمن، ارتبطت القهوة العربية بالكرم، والكرم ارتبط بـ قهوجي. لهذا السبب، أصبح لهذه الشخصية رمزية خاصة في الأدب والفن الشعبي. كثير من القصائد تغنت بدلة القهوة، وحركات قهوجي، وطريقة صبه للفنجان، كما تناولت بعض الأعمال المسرحية والتلفزيونية هذه الشخصية كرمز للتواضع والبساطة وخدمة الآخرين بفخر.
في بعض المجتمعات البدوية، كان يُقال “فلان كريم، عنده قهوجي خاص”، ما يدل على أن وجود قهوجي ليس فقط للخدمة، بل دليل على السخاء والذوق والقدرة على إكرام الضيف بأبهى صورة.
التحول الرقمي في مهنة قهوجي
مع التقدم التكنولوجي، بدأت مهنة قهوجي تدخل مرحلة جديدة من التحول الرقمي. ظهرت تطبيقات إلكترونية توفر خدمة الحجز الفوري لـ قهوجيين في الرياض وجدة ومكة وغيرها، بل وتعرض ملفات شخصية لكل قهوجي تشمل:
- صور زيّه التقليدي.
- نوع القهوة التي يُجيد إعدادها.
- تقييمات الزبائن.
- توفره في التواريخ المختلفة.
بعض قهوجيين باتوا يُسوّقون لأنفسهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويعرضون خدماتهم في مقاطع مرئية توضح احترافيتهم، مما ساعد على جذب جمهور أوسع، خصوصًا من الشباب الذين يبحثون عن تجربة ضيافة راقية في مناسباتهم.
دور قهوجي في المناسبات النسائية
من المظاهر اللافتة في السنوات الأخيرة، تزايد الطلب على قهوجيين وصبابين محترفين لتقديم القهوة في المناسبات النسائية، مثل الأعراس، الحفلات المنزلية، مناسبات الملكة، أو حتى الجلسات الخاصة. بعضهم يقدم القهوة من وراء الحواجز، وآخرون ضمن فرق نسائية متخصصة، ويكون التعامل بكامل الخصوصية والاحترام.
هذه الخدمة تضيف لمسة فاخرة إلى الحدث، وتمنح الضيفات شعورًا بالعناية والرقي، وتُعد خيارًا أساسيًا في الكثير من المجالس النسائية اليوم.
ملخص نهائي: قهوجي هو مرآة كرمنا وهويتنا
في زمن تُغيّب فيه السرعة ملامح التفاصيل، يظل قهوجي هو تلك التفاصيل الراقية التي لا تموت. هو رائحة الهيل، وصوت دلة، وابتسامة ترحب، وخطوة صامتة تنثر الاحترام. مهنة قهوجي ليست مجرد مهنة.. بل هوية، تراث، وفن.
كل مجلس يحضره قهوجي يتحول إلى مشهد من الماضي الجميل، تختلط فيه نكهة القهوة بعبق الأصالة، وتُروى فيه حكايات الضيافة العربية التي لا تعرف الزوال.